الحسد وأحوال الناس
من تأمل حال الناس اليوم وجد أن الحسد قد تعدى مداه ،فكم هي النفوس التي تتنفس الهواء الملوث، وتشرب من المستنقعات الآسنة ، تتشفى ممن أنعم الله عليهم من فضله ورزقه بالحقد والحسد، فنبتت في نفسه نبتة خبيثة، تثمر ثماراً بغيضة: كيد وبغي، ووشاية وظلم، وتصيدٌ ونميمة، حتى ربما وصل الأمر إلى الاستعانة بالسحرة والمشعوذين، فكم من نفس تتقطع ألَماً من أذى الحاسدين، وكم من بيت تهدّم بكيد الحاسدين، وكم من صحبة تفرقت بمكر الحاسدين، وكم صاحب جاه ومنصب أُشغل ببغي الحاسدين، وكم من امرأة تصطلي بنار الحاسدات، ذكر لي أحد الاخوة وقف على هذه الحادثة بنفسه: أن طالبتين زميلتين ذكيتين بينهما تنافس شديد داخل الفصل فلم تتمكن إحداهما من مجاراة زميلتها،فوقع في نفسها كيد، فاستجابت له ولم تحاول دفعه فزاد الكيد حتى أصبح حقداً، ومازال الشيطان يعبث بهذه النفس الضعيفة حتى أغراها أن تبحث عن طريقة تضع حداً لمنافسة صاحبتها، فاستعانت بشياطين الإنس فعُمل لتلك المسكينة سحر، أسقته إياها، فتأثرت وتأخرت في دراستها، وتعبت كثيراً، وهو من البلاء الذي يُقدره الله على العبد ليحط من ذنوبه، ويرفع درجاته عنده، ويمتحن صبر عبده وهو يحبه، أما تلك المتسببة في الأذى فسينتقم الله منها، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، والظلم ظلمات يوم القيامة. وكم نسمع مثل هذه المواقف والأحداث كثيراً وللأسف.ولا يخلو جسد من حسد،لكن الكريم يطويه،واللئيم يبديه ، فالحسد لم يسلم منه أحد،سواء كان في العلمبين العلماء،أو بين التجار في البيع والشراء، أوفي المناصببين أهل الجاه والسلطان، أو في التنافس والتفوقبين الأقران،أوفي الحظ والجمالبين النساء، فاحذروا أن تكونوا من أعداء نعم الله، فقد قالe: "إن لنعم الله أعداءً" قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"خرّجه الطبراني بإسناد حسن . ومن المهم أن نقول لكل الحاسدين: اعلموا أن الله بالمرصاد، واعلموا أن الله بكل شيء عليم، وأن لليل سهامًا لا تُخطئ، يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: "وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِين"، واعلموا أن الله أخبرنا بالقرآن فقال: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وقال: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، وقال: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}، فهل بعد هذه النصوص القرآنية، والوعيدات الربانية، يُطلق العنان للقلب، فيبغض من يشاء؟ ويكيد ويؤذي من يشاء ؟
ولو بغى جبل يوماً على جبل.... لدُكَّ منهُ أعَالِيهِ وأسْفَلُهُ
العجب أيها الاخوة: أن الحسد قاتل لصاحبه،إذ يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود شيء من بغيه: غملا ينقطع، ومصيبةلا يؤجر عليها، ومذمةلا يحمد عليها، وسخط الرب سبحانه وتعالى، وتغلق عليه أبواب التوفيق .وهكذا ينقلب الحسد على الحاسد .
لله در الحسد ما أعدله ....بـدأ بصاحبـه فقتله
.